حكم الحجاب أثناء قراءة القرآن

هل يجب على المرأة لبس الحجاب عند قراءة القرآن؟

يعد الحجاب أحد المواضيع التي تشغل بال الكثيرين، خاصة فيما يتعلق بممارسات المرأة الدينية. يبرز التساؤل حول ما إذا كان من الواجب على المرأة لبس الحجاب عند قراءة القرآن الكريم، خصوصًا في ظل تعدد الآراء الفقهية حول هذا الموضوع. إن موضوع الحجاب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من الأحكام الشرعية في الإسلام، ويشكل جزءًا أساسيًا من نقاشات الفقهاء حول قضايا العبادة والزي الشرعي. في هذا المقال، سوف نعرض مختلف الآراء الفقهية المتعلقة بلبس الحجاب أثناء قراءة القرآن، ونتناول الحكم الشرعي من خلال دراسة أقوال العلماء ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.

1. مفهوم الحجاب في الإسلام

الحجاب في الإسلام هو الستر الكامل للمرأة لبدنها باستثناء الوجه والكفين، وفقًا لما ورد في النصوص الشرعية. وقد ورد الحجاب في القرآن الكريم في عدة آيات، أبرزها قوله تعالى: “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مَنهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ…” (النور: 31). هذه الآية توضح وجوب ستر المرأة لجميع جسدها باستثناء الوجه والكفين، إلا في الحالات التي تكون فيها الضرورة ملحة أو السياقات التي قد تتيح بعض التخفيف في الأحكام.

2. حكم لبس الحجاب أثناء قراءة القرآن

فيما يتعلق بقراءة القرآن، يتباين الفقهاء في تحديد ما إذا كان من الضروري على المرأة أن تلبس الحجاب عند قراءة القرآن الكريم أم لا. بينما تتعدد الآراء، فإننا سنتطرق إلى أشهرها.

أ. الرأي الأول: وجوب لبس الحجاب عند قراءة القرآن

يذهب بعض العلماء إلى أن المرأة يجب أن تلبس الحجاب عند قراءة القرآن، بناءً على الحديث الشريف الذي يقول: “لا يقرأ القرآن إلا طاهر”. فالفهم الظاهري لهذا الحديث يقتضي أن المرأة يجب أن تكون في حالة طهارة كاملة، بما في ذلك ستر جميع بدنها، خاصة عندما تتفاعل مع كلام الله عز وجل. كما أن بعض العلماء يرون أن المرأة يجب أن تلتزم بالحجاب حتى أثناء قيامها بعبادات أخرى مثل الصلاة وقراءة القرآن، وذلك تحقيقًا للحياء وتمامًا للزينة الشرعية التي يفرضها الإسلام.

وفي هذا السياق، يُذكر أيضًا أن العلماء الذين يذهبون إلى هذا الرأي يعتبرون أن الحجاب يمثل رمزًا للطهارة الداخلية والخارجية، فلا ينبغي للمرأة أن تظهر زينتها أو جسدها في أي موقف كان أثناء تعاملها مع القرآن الكريم.

ب. الرأي الثاني: عدم وجوب لبس الحجاب أثناء قراءة القرآن

هناك أيضًا رأي آخر يرى أن المرأة ليست ملزمة بلبس الحجاب أثناء قراءة القرآن، حيث إنه لا يوجد نص شرعي صريح يلزم المرأة بارتداء الحجاب عند قراءة القرآن. يستند هذا الرأي إلى أن القرآن الكريم يمكن قراءته في أي وقت من دون شروط خاصة تتعلق باللباس، بل يكفي أن تكون المرأة في حالة طهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر إذا كانت ستلمس المصحف.

وفقًا لهذا الرأي، يمكن للمرأة قراءة القرآن في أي وضع، سواء كانت محجبة أم لا، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بالمس المصحف مباشرة، فإنه لا يجوز لها لمس المصحف إلا إذا كانت طاهرة، في حين أن القراءة باللسان لا تتطلب شرطًا خاصًا من هذا القبيل.

ج. الرأي الثالث: ربط لبس الحجاب بقراءة القرآن في الصلاة فقط

من جهة أخرى، يربط بعض العلماء بين الحجاب وقراءة القرآن في الصلاة فقط، مستدلين على أن المرأة إذا كانت في حالة صلاة، فإنها تكون ملزمة بالحجاب لأن الصلاة تتطلب أن تكون المرأة في هيئة محتشمة وفقًا لما فرضه الشرع. أما خارج أوقات الصلاة، فإنهم يرون أن المرأة ليست بحاجة إلى ارتداء الحجاب أثناء قراءتها للقرآن.

3. الأدلة الشرعية

أ. القرآن الكريم: ورد في القرآن العديد من الآيات التي تتحدث عن الحجاب والستر، ولكن لم تذكر الآيات بشكل محدد ما إذا كان يجب على المرأة ارتداء الحجاب عند قراءة القرآن. ومع ذلك، يتم استنباط العديد من الأحكام بناءً على النية والطهارة أثناء التعامل مع القرآن.

ب. السنة النبوية: لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تؤكد بشكل صريح أنه يجب على المرأة ارتداء الحجاب أثناء قراءة القرآن، رغم أن هناك بعض الأحاديث التي تذكر طهارة البدن، مثل حديث “لا يمس القرآن إلا طاهر” ولكن هذا الحديث، كما ذكرنا سابقًا، لا يتناول الحجاب بوجه خاص.

4. اجتهادات العلماء

لقد اجتهد العديد من العلماء في تفسير حكم الحجاب في سياقات مختلفة، ومنها قراءة القرآن الكريم. وفيما يلي بعض الاجتهادات البارزة:

• الإمام مالك: يرى الإمام مالك أن المرأة ليست ملزمة بارتداء الحجاب أثناء قراءة القرآن، إلا إذا كانت في حالة الصلاة.

• الإمام الشافعي: يشترط في قراءة القرآن أن تكون المرأة طاهرة، لكنه لا يشترط أن تكون محجبة بشكل خاص أثناء قراءة القرآن خارج الصلاة.

• الإمام أبو حنيفة: يذهب إلى أن المرأة يمكنها قراءة القرآن في أي وقت بشرط الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر.

5. موقف الفقه المعاصر

مع تطور الفقه الإسلامي في العصر الحديث، ظهرت العديد من الآراء التي تتعامل مع الحجاب وقراءة القرآن من زاوية أكثر مرونة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالحجاب كجزء من الزي الشرعي، ولكنه لا يعد شرطًا أساسيًا أثناء قراءة القرآن، بل تكفي الطهارة العامة.

6. الخلاصة

من خلال دراسة الآراء المختلفة والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، يمكن القول أن هناك تفاوتًا في الرأي الفقهي حول ضرورة ارتداء الحجاب أثناء قراءة القرآن. بينما يذهب بعض العلماء إلى أن المرأة يجب أن تلتزم بارتداء الحجاب خلال قراءة القرآن الكريم، يرى آخرون أن هذا ليس شرطًا بل يكفي أن تكون في حالة طهارة.

إلا أنه من المهم التأكيد على أن الحجاب بشكل عام يعتبر جزءًا من الالتزام الشرعي للمرأة في الإسلام، وأنه يمثل جزءًا من الستر والحياء، مما يجعل من الأفضل للمرأة أن تلتزم به أثناء قراءة القرآن، خصوصًا إذا كانت في مكان عام أو في مواجهة الآخرين.

وبناءً على هذه الآراء المختلفة، يتبين أن المرأة يمكنها قراءة القرآن بأي وضع، ولكن يُنصح بالاحتشام والتزام الحجاب في جميع الأحوال، خاصة في الأماكن التي تتطلب الانضباط الديني مثل المساجد أو عند تلاوة القرآن في حضور الآخرين.